ضَرُورِيَّاتُ الاِعْتِقَادِ
اعْلَمْ أَنَّ الإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُ الْعَقِيدَةِ وَهُوَ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلُهَا وَلِذَلِكَ اسْتَهَلَّ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ كِتَابَهُ بِهِ فَقَالَ (ضَرُورِيَّاتُ الاِعْتِقَادِ) وَهِيَ مَا لا يَسْتَغْنِي الْمُكَلَّفُ عَنْهُ مِنْ أُمُورِ الْعَقِيدَةِ.
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ (يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ) وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي بَلَغَهُ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ (الدُّخُولُ فِي دِينِ الإِسْلامِ) فَوْرًا (وَالثُّبُوتُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ) أَيْ أَنْ يَخْلُوَ قَلْبُ الْمُسْلِمِ عَنْ أَيِّ عَزْمٍ عَلَى تَرْكِ الإِسْلامِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ كَفَرَ فِي الْحَالِ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُكَلِّفِ أَيْضًا (الْتِزَامُ مَا لَزِمَ) أَيْ التَّمَسُّكُ بِمَا وَجَبَ (عَلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا مَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَاتَّصَلَ جُنُونُهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَمَاتَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَسْؤُولِيَّةٌ فِي الآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي عَاشَ بَالِغا عَاقِلاً وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ فَلَيْسَ مُكَلَّفًا (فَمِمَّا يَجِبُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (عِلْمُهُ وَاعْتِقَادُهُ) بِالْقَلْبِ (مُطَلَّقًا) أَيْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ (وَالنُّطْقُ بِهِ) بِاللِّسَانِ (فِي الْحَالِ إِنْ كَانَ كَافِرًا) أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا الشَّهَادَتَانِ لِلدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ (وَإِلا) بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا (فَـ) تَجِبُ عَلَيْهِ (فِي الصَّلاةِ الشَّهَادَتَانِ) أَيِ النُّطْقُ بِهِمَا لِصِحَّةِ الصَّلاةِ (وَهُمَا: "أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَرْحِ الشَّهَادَةِ الأُولَى فَقَالَ (وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَعْتَقِدُ) وَأُصَدِّقُ بِقَلْبِي (وَأَعْتَرِفُ) بِلِسَانِي (أَنْ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللَّهُ) أَيْ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ أَيْ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ إِلا اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِي مَنْ صَرَفَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ صَارَ مُشْرِكًا، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ (الْوَاحِدُ) الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي الأُلُوهِيَّةِ (الأَحَدُ) الَّذِي لا يَقْبَلُ الاِنْقِسَامَ لأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا (الأَوَّلُ) فَلا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَبِمَعْنَاهُ (الْقَديِمُ) إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (الْحَيُّ) الْمُتَّصِفُ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ لا ابْتِدَاءَ وَلا انْتِهَاءَ لَهَا لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَلَحْمٍ وَدَمٍ (الْقَيُّومُ) أَيِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِي لا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ (الدَّائِمُ) البَاقِي بِلا نِهَايَةٍ (الْخَالِقُ) الَّذِي أَوْجَدَ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، فَلا خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلا لِلَّهِ (الرَّازِقُ( الَّذِي يُوصِلُ الأَرْزَاقَ إِلَى عِبَادِهِ (الْعَالِمُ) الْمُتَّصِفُ بِعِلْمٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِيٍّ لا يَتَغَيَّرُ لا يَزْدَادُ وَلا يَنْقُصُ (الْقَدِيرُ) الْمُتَّصِفُ بِقُدْرَةٍ تَامَّةٍ بِهَا يُوجِدُ وَيُعْدِمُ (الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ، وَلا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعَانَةٍ بِغَيْرِهِ (مَا شَاءَ اللَّهُ) فِي الأَزَلِ وُجُودَهُ (كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأِ) اللَّهُ فِي الأَزَلِ وُجُودَهُ (لَمْ يَكُنْ) وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لا تَتَغَيَّرُ لأَنَّ التَّغَيُّرَ دَلِيلُ الْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ (الَّذِي لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِهِ) فَلا تَحَوُّلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلا بِعِصْمَته وَلا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلا بِعَوْنِه (الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بِهِ) كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ (الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ فِي حَقِّهِ) كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَاللَّوْنِ وَالْحَدِّ وَالتَّحَيُّزِ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فَاللَّهُ تَعَالَى لا يُشْبِهُهُ شَىءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ (فَـهُوَ الْقَديِمُ) الَّذِي لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ (وَ) كُلُّ (مَا سِوَاهُ) مِنَ الْعَالَمِينَ (حَادِثٌ وَهُوَ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ فَكُلُّ حَادِثٍ دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مِنَ الأَعْيَانِ) أَيِ الأَحْجَامِ (وَالأَعْمَالِ) الاِخْتِيَارِيَّةِ وَغَيْرِ الاِخْتِيَارِيَّةِ (مِنَ الذَّرَّةِ) وَهِيَ الْهَبَاءُ الَّذِي يُرَى فِي نُورِ الشَّمْسِ الدَّاخِلِ مِنَ الْكَوَّةِ أَوْ مَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا (إِلَى الْعَرْشِ) وَهُوَ أَكْبَرُ الْمَخْلُوقَاتِ حَجْمًا، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ، وكذلك الأَعْمَالُ كُلُّهَا الظَّاهِرَةُ والْبَاطِنَةُ (وَمِنَ كُلِّ حَرَكَةٍ لِلْعِبَادِ وَسُكُونٍ وَالنَّوَايَا وَالْخَوَاطِرِ) الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بِلا إِرَادَةٍ (فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَخْلُقْهُ أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ لا طَبِيعَةٌ وَلا عِلَّةٌ) وَالطَّبِيعَةٌ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الأَجْرَامَ كَالنَّارِ فَإِنَّ مِنْ طَبِيعَتِهَا الإِحْرَاقَ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ مَا يُوجَدُ الْمَعْلُولُ بِوُجُودِهَا وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا كَالإِصْبَعِ الَّذِي فِيهِ خَاتَمٌ فَإِنَّ حَرَكَتَهُ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ، فَلا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَالِقَةً لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ، (بَلْ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ) أَيْ وُجُودُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا (بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِتَقْدِيرِهِ) الشَّامِلِ (وَعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾ أَيْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ) وَلَفْظَةُ شَىْءٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ (فَلا خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾) أَيْ لا خَالِقَ إِلا اللَّهُ، وَقَدْ (قَالَ النَّسَفِيُّ) صَاحِبُ الْعَقِيدَةِ النَّسَفِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ (فَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ زُجَاجًا بِحَجَرٍ فَكَسَرَهُ فَالضَّرْبُ) وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ انْكِسَارٌ وَقَدْ لا يَحْصُلُ (وَالْكَسْرُ) وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الزُّجَاجِ بِوَاسِطَةِ الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ (وَالاِنْكِسَارُ) وَهُوَ الأَثَرُ الْحَاصِلُ فِي الزُّجَاجِ مِنْ تَشَقُّقٍ وَتَنَاثُرٍ (بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى) لا بِخَلْقِ الْعَبْدِ (فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ) مِنْ فِعْلِهِ هَذَا (إِلا الْكَسْبُ) وَهُوَ تَوْجِيهُ الْعَبْدِ قَصْدَهُ وَإِرَادَتَهُ نَحْوَ الْعَمَلِ فَيَخْلُقُهُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَأَمَّا الْخَلْقُ فَلَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾) أَيْ أَنَّ النَّفْسَ تَنْتَفِعُ بِمَا كَسَبَتْهُ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ (﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾) أَيْ وعَلَيْهَا أَيْضًا وَبَالُ مَا اكْتَسَبَتْهُ مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ (وَكَلامُهُ) صِفَةٌ لَهُ تَعَالَى (قَديِمٌ) أَزَلِيٌّ لا ابْتِدَاءَ لَهُ (كَسَائِرِ صِفَاتِهِ) لأَنَّ الذَّاتَ الأَزَلِيَّ لا تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ، فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً وَأَمَّا اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَكُلٌّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلامُ اللَّهِ وَذَلِكَ (لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُبَايِنٌ) أَيْ غَيْرُ مُشَابِهٍ (لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الذَّاتِ) فَذَاتُهُ لا يُشْبِهُ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ (وَالصِّفَاتِ) فَصِفَاتُهُ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ (وَالأَفْعَالِ) فَفِعْلُهُ لا يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَخْلُوقَاتِ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَيْ تَنَزَّهَ (عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ) أَيِ الْكَافِرُونَ مِنْ وَصْفِهِمْ لِلَّهِ بِمَا لا يَلِيقُ بِهِ (عُلُوًّا كَبِيرًا) أَيْ تَنَزُّهًا كَامِلا (فَيَتَلَخَّصُ مِنْ مَعْنَى مَا مَضَى إِثْبَاتُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْءَانِ) وَالْحَدِيثِ (إِمَّا لَفْظًا وَإِمَّا مَعْنًى كَثِيرًا) وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِصُ عَلَى تَعْلِيمِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ (وَهِيَ الْوُجُودُ) فَاللَّهُ مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِي وُجُودِهِ فَليسَ وُجُودُهُ تَعَالَى بإِيْجَادِ مُوجِدٍ (وَالْوَحْدَانِيَّةُ) فَهُوَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ وَلا نَظِيرٌ (وَالْقِدَمُ أَيِ الأَزَلِيَّةُ) فَلا شَرِيكَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْقِدَمِ لأَنَّ قِدَمَهُ ذَاتِيٌّ وَلَيْسَ زَمَانِيًّا (وَالْبَقَاءُ) صِفَةٌ اسْتَحَقَّهَا لِذَاتِهِ لا شَىْءَ غَيْرُهُ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ (وَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَيَفْتَقِرُ إِلَيْهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ (وَالْقُدْرَةُ) صِفَةٌ لِلَّهِ يَخْلُقُ بِهَا كُلَّ مَا شَاءَ وُجُودَهُ فَلا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ (وَالإِرَادَةُ) وَهِيَ الْمَشِيئَةُ يُخَصِّصُ اللَّهُ بِهَا الْمَخْلُوقَ بِالْوُجُودِ بَدَلَ الْعَدَمِ وَبِصِفَةٍ دُونَ أُخْرَى (وَالْعِلْمُ) فَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ (وَالسَّمْعُ) فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْمَعُ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ بِدُونِ أُذُنٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى (وَالْبَصَرُ) صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِهِ يَرَى كُلَّ الْمُبْصَرَاتِ بِدُونِ حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى (وَالْحَيَاةُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ حَيٌّ بِحَيَاةٍ لاَ تُشْبِهُ حَيَاةَ غَيْرِهِ (وَالْكَلامُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً وَلا يُشْبِهُ كَلامَ غَيْرِهِ (وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ) فَاللَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ مِنْ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ (فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ) الثَّلاثَ عَشْرَةَ (ذِكْرُهَا كَثِيرًا فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ) الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ (قَالَ الْعُلَمَاءُ تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا وُجُوبًا عَيْنِيًّا) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلا يَجِبُ وُجُوبًا عَينِيًّا حِفْظُ أَلْفَاظِهَا (فَلَمَّا ثَبَتَتِ الأَزَلِيَّةُ لِذَاتِ اللَّهِ) بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ (وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةً لأَنَّ حُدُوثَ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الذَّاتِ) وَالْحُدُوثُ يُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ بِشَرْحِ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ (وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَعْلَمُ وَأَعْتَقِدُ) وَأُصَدِّقُ وَأُذْعِنُ بِقَلْبِي (وَأَعْتَرِفُ) بِلِسَانِي (أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيَّ) الْمَنْسُوبَ إِلَى قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ هُوَ (عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ) مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ (وَيَتْبَعُ ذَلِكَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ وُلِدَ بِمَكَّةَ وَبُعِثَ بِهَا) أَيْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِالنُّبُوَّةِ وَهُوَ مُسْتَوْطِنٌ فِيهَا (وَهَاجَرَ) مِنْ مَكَّةَ (إِلَى الْمَدِينَةِ) ومَاتَ (وَدُفِنَ فِيهَا وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ) أَيْضًا اعْتِقَادُ (أَنَّهُ صَادِقٌ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَبَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ) مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْريِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيهِا، وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ وَحْيٍ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيهِا كَمَسْأَلَةِ تَلْقِيحِ النَّخْلِ، وَقَوْلُهُ (فَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَذَابُ الْقَبْرِ) وَهُوَ بِالرُّوحِ وَالْجَسَدِ كَرُؤْيَةِ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ لِمَقْعَدِهِ الَّذِي يَقْعُدُهُ فِي النَّارِ فِي الآخِرَةِ وَانْزِعَاجِ بَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَوَحْشَتِهِ (وَنَعِيمُهُ) كَتَوْسِيعِ الْقَبْرِ وَتَنْوِيرِهِ بِنُورٍ يُشْبِهُ نُورَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لِلْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ (وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ) فَيُسْأَلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَنِ اعْتِقَادِهِ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ (وَالْبَعْثُ) وَهُوَ خُرُوجُ الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ إِحْيَائِهِمْ بِإِعَادَةِ الأَجْسَادِ وَإِعَادَةِ الأَرْوَاحِ إِلَيْهَا (وَالْحَشْرُ) وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ الْخَلْقُ وَيُسَاقُوا بَعْدَ بَعْثِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ (وَالْقِيَامَةُ) وَأَوَّلُهَا مِنَ الْبَعْثِ إِلَى دُخُولِ فَرِيقٍ إِلَى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٍ إِلَى النَّارِ (وَالْحِسَابُ) بعَرْضِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ (وَالثَّوَابُ) وَهُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي يُجَازَاهُ الْمُؤْمِنُ فِي الآخِرَةِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِمَّا يَسُرُّهُ (وَالْعَذَابُ) وَهُوَ مَا يَسُوءُ الْعَبْدَ فِي الآخِرَةِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْمَعَاصِي (وَالْمِيزَانُ) الَّذِي تُوزَنُ عَلَيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ (وَالنَّارُ) أَيْ جَهَنَّمَ وَهِيَ دَارُ الْعَذَابِ الدَّائِمِ لِلْكَافِرِينَ، وَأَمَّا بَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا مُدَّةً ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا (وَالصِّرَاطُ) وَهُوَ جِسْرٌ يُمَدُّ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ فَيَرِدُهُ النَّاسُ جَمِيعًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْجُو وَمِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ فِيهَا (وَالْحَوْضُ) وَهُوَ مَكَانٌ أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ شَرَابًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَلا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَمَأٌ (وَالشَّفَاعَةُ) وَمَعْنَاهَا طَلَبُ إِسْقَاطِ الْعِقَابِ لِبَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ أَوْ بَعْدَهُ (وَالْجَنَّةُ) وَهِيَ دَارُ النَّعِيمِ الدَّائِمِ لِلْمُؤْمِنِينَ (وَالرُّؤْيَةُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْعَيْنِ فِي الآخِرَةِ) بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ (بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ) وَلا تَشْبِيهٍ (أَيْ لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ وَالْخُلُودُ فِيهِمَا) أَيِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنَّهُ لا مَوْتَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَالإِيمَانُ بِمَلائِكَةِ اللَّهِ) أَيْ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (وَرُسُلِهِ) أَيْ أَنْبِيَائِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَسُولا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَأَوَّلُهُمْ ءَادَمُ وَءَاخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهِ (وَكُتُبِهِ) وَأَشْهَرُهَا أَرْبَعَةٌ الْقُرْءَانُ وَالتَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ (وَ) الإِيمَانُ (بِالْقَدَرِ) الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالرِّضَا بِهِ وَلا يُكُونُ إِلا حَسَنًا كَسَائِرِ صِفَاتِهِ وَأَنَّ كُلَّ مَقْدُورٍ (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) وُجِدَ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ الأَزَلِيَّيْنِ (وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) أَيْ ءَاخِرُهُمْ فَلا نَبِيَّ بَعْدَهُ (وَأَنَّهُ سَيِّدُ وَلِدِ ءَادَمَ أَجْمَعِينَ) فَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً (وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ يَجِبُ أَنَّ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ) فَلا يَكْذِبُونَ وَلا يَجْحَدُونَ مَا ائْتَمَنَهُمُ النَّاسُ عَلَيْهِ (وَ) تَجِبُ لَهُمُ (الْفَطَانَةُ) أَيِ الذَّكَاءُ (فَـ) يُعْلَمُ مِمَّا مَضَى أَنَّهُ (يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ) لأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ يُنَافِي مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ (وَالرَّذَالَةُ) أَيِ الْخِسَّةُ فَلَيْسَ فِي الأَنْبِيَاءِ مَنْ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَاتِ بِشَهْوَةٍ (وَ) يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ (السَّفَاهَةُ) وَهِيَ التَّصَرُّفُ بِخِلافِ الْحِكْمَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ أَلْفَاظًا شَنِيَعًة تَسْتَقْبِحُهَا النُّفُوسُ (وَ) يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ (الْبَلادَةُ) أَيِ الْغَبَاوَةُ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ بَلِيدُ الذِّهْنِ أَوْ ضَعِيفُ الْفَهْمِ (وَ) يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ (الْجُبْنُ) أَمَّا الْخَوْفُ الطَّبِيعِيُّ فَلا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ سَبْقُ اللِّسَانِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَادِيَاتِ (وَ) يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا (كُلُّ مَا يُنَفِرُ) النَّاسَ (عَنْ قَبُولِ الدَّعْوَةِ مِنْهُمْ) كَالأَمْرَاضِ الْمُنَفِّرَةِ (وَتَجِبُ لَهُمُ الْعِصْمَةُ) أَيِ الْحِفْظُ (مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ) والدَّنَاءَةِ كَسَرِقَةِ حَبَّةِ عِنَبٍ (قَبْلَ النُّبُوَّةِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ (وَبَعْدَهَا وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي) الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَلا دَنَاءَةٌ كَمَا حَصَلَ مَعَ سَيِّدِنَا ءَادَمَ (لَكِنْ) إِنْ حَصَلَ ذَلِكَ (يُنَبَّهُونَ فَوْرًا لِلتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ) أَيْ بِالأَنْبِيَاءِ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصَّغِيرَةِ (غَيْرُهُمْ) مِنْ أُمَمِهِمْ (فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لا تَصِحُّ لإِخْوَةِ يُوسُفَ) وَهُمُ الْعَشَرَةُ (الَّذِينَ فَعَلُوا تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْخَسِيسَةَ) مِنْ ضَرْبِهِمْ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَرَمْيِهِمْ لَهُ فِي الْبِئْرِ (وَهُمْ مَنْ سِوَى بِنْيَامِينَ) الَّذِي لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيمَا فَعَلُوهُ (وَالأَسْبَاطُ الَّذِينَ) ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْءَانِ وَ(أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْيَ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ ءَاذَوْهُ بَلْ (هُمْ مَنْ نُبِّئَ) أَيْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ (مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ) وَالسِّبْطُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ.
الموضوع : ضَرُورِيَّاتُ الاِعْتِقَادِ المصدر : موقع قلوب العرب